العالم

في اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية.. ثقافة التسامح متأصلة في الدين الإسلامي وصحيح الشرائع السماوية

الدوحة ( يونا / قنا )- أكد عدد من الخبراء والباحثين في مجال الأديان أن ثقافة التسامح في الشريعة الإسلامية حقيقة متأصلة في جوهر الدين، كما أن الممارسة العملية للمسلمين منذ بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- ترسخ التسامح، الذي يعزز التعايش بين البشر مهما اختلفوا في عقائدهم وأفكارهم.
وقالوا، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية الذي يوافق 18 يونيو كل عام، إن التسامح مبدأ متأصل في صحيح الشرائع السماوية، مؤكدين أن التعايش بين المسلمين وغيرهم من أهل الأديان ينبغي أن ينطلق من الثقة والاحترام المتبادلين، ومن الرغبة في التعاون لخير الإنسانية في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وفيما يمس حياة الإنسان، مؤكدين أنه يمكن وضع قاعدة مشتركة بين الأديان في سبيل تحقيق السلام العالمي.
وقال سعادة الدكتور إبراهيم بن صالح النعيمي رئيس مجلس إدارة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، إن الأديان تدعو في أصلها إلى التسامح والتعايش، والتسامح هو القاعدة المعاينة في أغلب دول العالم حسب تقارير الأمم المتحدة والجهات المهتمة برصد ذلك، لكن لكل قاعدة استثناء، حيث نشهد بعض حالات الصراع والنزاع الذي قد يكون عامل الدين من أسبابها، بالإضافة إلى عوامل أخرى.
وأكد على دور مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان في نشر ثقافة الحوار والتسامح حتى يسود التعايش والتسامح في جميع مناطق العالم، كما جاء في رسالات الأنبياء والرسل.
وأشار إلى وجود تجارب تسهم في تحقيق التسامح بين الأديان، وأهمها المخرجات الناجحة للمؤسسات التي تسهم في تحقيق التسامح، الذي ينشده مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان، مشيرا إلى أن مخرجات أعمال المركز تسهم كذلك في تجسيد ورسم التسامح، ومن أهمها: المؤتمرات الدورية، والطاولات المستديرة المخصصة للجاليات، والدورات التدريبية للعاملين في هذا المجال، وللطلاب والمتخصصين سواء داخل قطر أو خارجها، وإجراء الأبحاث العلمية ونشر إصدارات وبحوث علمية، وإشراك المتخصصين في مجال الحوار من اتباع الديانات السماوية، سواء داخل قطر أو خارجها.
الدكتور عبدالقادر بخوش أستاذ بقسم العقيدة والدعوة ورئيس تحرير مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في كلية الشريعة جامعة قطر، قال في تصريح مماثل لـ”قنا”: يعرف التسامح بقبول الآخرين واحترام حقوقهم واختلافاتهم، بما في ذلك الاختلاف في العقيدة والثقافة والعادات والتقاليد، ويبرز التسامح في التفكير الإيجابي تجاه الآخرين، والحرص على عدم إصدار أحكام عليهم، في حين أن التعايش يعتمد على القيم الإنسانية المشتركة، مثل التسامح والتراحم وحسن الجوار والتعاون المشترك، فهو سلوك فكري وعملي يؤكد على حق كل فرد في المواطنة المحلية أو العالمية دون تمييز أو تحيز.
وأضاف أن المتفحص للقرآن الكريم والسنة النبوية يتأكد بما لا يدعو مجالا للشك أن الإسلام قد اعترف منذ أيامه الأولى بالمخالفين له من أهل الملل والنحل الأخرى، حيث خص هؤلاء بآيات قرآنية تعرف بهم، وتعبر عن آرائهم، بل إن سورا قرآنية سميت بأسماء بعضهم “الكافرون، قريش، المنافقون، الأحزاب”، ويتجلى هذا الاعتراف بالآخر بشكل أوضح بإعلانه أن لا إكراه في الدين، وأن لا مجال للمساس بمعتقدات الآخرين قال تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}.
وأوضح أن الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- ترجم هذا الخيار الاستراتيجي عمليا بالتعايش في أول وثيقة دستورية وجدت في الإسلام، حيث تعد وثيقة المدينة المنورة على صعيد التجربة التاريخية الإسلامية بادرة قانونية ودينية لافتة في إرساء الميثاق المشترك للتعايش الديني والثقافي، لافتا إلى أن هذا الاعتراف بالآخر المخالف بالعقيدة جعل المستشرق والمؤرخ الألماني آدم ميتز يعترف بأن الحضارة الإسلامية بلغت في تسامحها أن أوجدت علما يدرس كل الأديان في جو من التسامح والتعايش، وهو علم الملل والنحل، أو ما يعبر عنه اليوم بعلم مقارنة الأديان.
ومن جهته، أوضح الدكتور محمد عبد العزيز مشعل، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر في تصريح مماثل لـ”قنا”، أنه عند النظر إلى واقع التسامح بين الأديان والنظر إلى ذلك من خلال التعاليم الدينية ومدى ممارساتها، نجد أولا أنه لا يمكن وضع الأديان كلها في موضع واحد في موقفها من التسامح مع غيرهم، فهناك أديان تحمل تعاليمها الدينية تسامحا مع غيرهم، إلا أن أتباع هذه الأديان -للأسف الشديد- لم يطبقوا تلك التعاليم، فتجد بعض المنتسبين للأديان، التي عرف من تعاليمها التسامح، يحملون أفكارا متطرفة وينسبونها إلى دينهم، ونسبتها إلى دينهم إما بتأويل خاطئ للنصوص، أو استدلال بنصوص لم تثبت صحتها عند التحقيق.
وحول الأسباب التي تعيق نشر التسامح وتحقيقه واقعا بين الأديان، قال الدكتور مشعل: هناك أسباب عديدة تعوق تحقيق التسامح في واقعنا بين الأديان؛ منها: صراعات الماضي وصعوبة تجاوزه بين الأفراد، كما أن الجانب الثقافي لدى الإنسان، وما يحمله من أفكار أحادية لا تقبل التعددية الفكرية، والاختلاف يعيق تحقيق التسامح أيضا، وهي أمور ترسخت في أذهان البعض بتأثير ديني أو مجتمعي؛ لذا لا بد من نشر ثقافة التعددية والاختلاف، والتأكيد على أن الاختلاف سنة كونية، قال تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين}، وطالما أن الاختلاف سنة كونية فهذا يعني أنه لا بد من التعايش والتسامح مع المخالفين.
وبدوره، قال السيد مختار خواجة، باحث مختص في مجال الأديان، إن التسامح يعني القبول بوجود الآخر ومنحه حقوقا وواجبات اعتبارا للكرامة الإنسانية، مؤكدا أنه لا يوجد دين دعا إلى التسامح مثل الإسلام، الذي يعد الاختلاف جزءا من طبيعة الكون، حيث يقول تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة..}، وهي تدل في المجمل على أن الاختلاف يحقق حرية الاختيار، فهو جزء من طبيعة الإنسان ليعبد الله محققا غاية وجوده وذلك باختياره، كما يثبت القرآن الكريم الكرامة الإنسانية للإنسان في أصل الخلقة، يقول تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}، وهذا دال على قيمة الكرامة الإنسانية في نظر القرآن الكريم.
وأضاف أن الأديان السماوية دعت في المجمل إلى احترام الآخر، لكن هناك أسباب لعدم الممارسة الحقيقية لثقافة التسامح؛ بسبب غياب الكرامة الإنسانية لدى كثير من الناس، وغياب العدالة وانتشار الظلم والتظالم ما يؤدي لردود أفعال مختلة وعنيفة، بالإضافة إلى انتشار الصور النمطية المسيئة للآخرين، وعدم النظر إليهم بموضوعية.
وأكد خواجة أن تحقيق التسامح في الواقع ممكن بتحقيق العدالة والتوعية والعلم والمعرفة والقيم التي تحث على احترام الآخر على أساس إنسانيته، والذي يتجلى عندما وقف صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي، وقال: “أليست نفسا؟”، كما هاجر المسلمون إلى الحبشة؛ لأن ملكها عادل لا يظلم عنده أحد، وقد دافع المسلمون أمامه عن دينهم بحرية تامة، منوها بأن الكاتب الدكتور محمد خليفة حسن اعتبر مناظرة الصحابة مع وفد قريش أقدم حوار ديني حقيقي في التاريخ، كما تنبغي الإشارة إلى معاملة المسلمين لأهل الذمة بعدالة طوال تاريخ الحكومات الإسلامية، بل إن “السفارديم” يهود الأندلس لم يجدوا ملجأ أفضل من الدولة العثمانية، فالمسلمون في سياق حضارتهم تعاملوا بندية مع الآخر، ولم يلغوا إنسانيته بسبب تفوقهم الحضاري الروحي والمادي.
وشدد الباحثون، في حديثهم لوكالة الأنباء القطرية، على أن التسامح مبني على الاعتزاز بالعقيدة، ولا يعني التنازل عن المعتقدات، فالتسامح الذي ندعو إليه لا يعني إذابة المعتقدات وضياع الهوية الدينية لكل دين، وإنما هو التعايش السلمي والحضاري، وهذا يعني الإقرار بحرية كل شخص في اعتقاد ما شاء دون تعرض له، كما قال تعالى: {لكم دينكم ولي دين}، وهذا التسامح يترتب عليه معالجة القضايا المشتركة التي تؤدي إلى بناء الإنسان دون التفات إلى دينه ومعتقده، وهذه الدعوة أكد عليها الإسلام، فقال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله}.
جدير بالذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوليو 2021، سلطت الضوء على المخاوف العالمية بشأن “الانتشار المتسارع لخطاب الكراهية وانتشاره” في جميع أنحاء العالم، واعتمدت قرارا بشأن “تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات والتسامح في مواجهة خطاب الكراهية، ليتم الاحتفاء به أول مرة في عام 2022”.
ويقضي القرار بضرورة مكافحة التمييز وكراهية الأجانب وخطاب الكراهية، ويدعو جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة، بما في ذلك الدول، إلى زيادة جهودها للتصدي لهذه الظاهرة، بما يتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.
// انتهى //

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى