الثقافة والفنونفلسطين

‎معرض “كنوز منقذة من غزة: 5000 عام من التاريخ” في باريس يواجه محاولات الاحتلال لطمس الهوية الفلسطينية

باريس (يونا/قنا) – يواصل معرض “كنوز منقذة من غزة: 5000 عام من التاريخ” بمقر معهد العالم العربي بباريس احتفاءه بالتراث الفلسطيني والشرقي وصونا للآثار الفنية النادرة والذاكرة الجمعية من الاندثار والنسيان والتدمير الممنهج خلال الحروب والنزاعات والاضطرابات.

ويضم المعرض، الذي سيستمر حتى الثاني من نوفمبر المقبل، 130 عملا أثريا من تراث غزة فمن بين هذه الكنوز تبرز فسيفساء بيزنطية من “أبو برقة” تظهر أهمية غزة كمفترق طرق استراتيجي منذ العصور القديمة، وتشمل أيضا قطعا أثرية تعود إلى عصور مختلفة مثل الجرات الطينية المحروقة التي كانت تستخدم في نقل الزيت إلى أماكن بعيدة، بالإضافة إلى تمثال رخامي لأفروديت يعود إلى العصر اليوناني، ومصابيح زيت رومانية مصنوعة بزخارف دقيقة.

وأبرزت إيلودي بوفار أمينة المعرض، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن المعرض جاء للتذكير بأن غزة وسكانها لديهم قصة وتاريخ عريق ويعود لآلاف السنين، إلى جانب إحيائه ذاكرة هذه المدينة التاريخية الصامدة على مدى قرون خاصة في ظل الحرب الراهنة التي تدمر كل شيء جميل في غزة، مشددة على تمثيله أيضا شكلا من أشكال المقاومة الفنية والثقافية والمحافظة على الهوية الفلسطينية وعلامة على قدرة الفن والثقافة على مواجهة الحرب.

وأكدت أن كل محاولات التدمير الممنهجة للآثار والبنى التحتية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي تعبر عن عراقة هذه المدينة مهما كانت محاولات إخفاء تاريخها، ومن هنا جاء المعرض ليعبر عن كل هذا الثراء والعراقة وفي نفس الوقت ليعبر عن عمق الهوية الفلسطينية وثرائها وقوتها أيضا في مواجهة أي محاولة للمحو أو الطمس التاريخي المتعمد.

كما أوضحت أن معرض “كنوز منقذة من غزة” يخبر عن هذه المدينة والمنطقة الاستثنائية التي حكمت العالم في حقبة ماضية من التاريخ، وكانت قلب العلاقات الدولية بين البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا وآسيا لمدة قرون، وخاصة منذ 5 آلاف عام حيث أظهرت الاكتشافات الأثرية وجود منطقة حضرية غنية وثرية شهدت تطورا عمرانيا وحضاريا كبيرا بخصائصها المميزة وموقعها الاستراتيجي، وهذا ما تظهره الكثير من التحف والآثار المعروضة، لافتة إلى تركيز السينوغرافيا المعتمدة في المعرض، التي تمت بالتعاون مع “أستوديو أنستازيا”، على القصص الأصيلة للتحف الفنية والآثار باعتبار أنها كانت موجودة ومنفية منذ 17 عاما وحتى 25 عاما في جنيف وأوروبا لإنفادها من آثار الحرب.

وشددت على أنه من المهم أن يقدم المنظمون وجهة نظر المبدعين الفلسطينيين المعاصرين المتشبعين بالآثار والتراث الفلسطيني، منوهة إلى طرح سينوغرافيا المعرض أسئلة مهمة خاصة من ناحية اقتلاع هذه الآثار من جذورها الأصلية في غزة ونقلها إلى جنيف وأوروبا للمحافظة عليها، حيث تظهرها وكأنها متأهبة للرحيل دائما في رحلة تشبه رحلات أهل غزة وما يتعرضون إليه اليوم من تهجير قسري ومنفى، ومن هنا وقع تسليط الضوء في قاعة العرض بطريقة فنية تجعل كل قطعة أثرية تحكي وتخبر عن قصتها وتحافظ على هويتها الأصلية.

وذكرت بوفار، في حديثها مع /قنا/، أن المعرض يضم الكثير من القطع الفنية النادرة والمميزة على غرار التمثال الرخامي الخاص بأفروديت المنقوش بطريقة فنية فريدة تبلغ عن الصنعة الكبيرة التي كان يتميز بها فنانو تلك الحقبة التاريخية في غزة، رغم أنه لا يوجد رخام في غزة ولكن الفنانين الفلسطينيين أبدعوا في نقش وصياغة هذا التمثال والقطعة الفنية النادرة، وهذا يبرز التطور الحضاري الكبير الذي وصلت له غزة وفلسطين في العصور القديمة.

وأشارت كذلك إلى الفسيفساء الأحادية الألوان العملاقة التي تحتل نصف قاعة العرض الأولى ويبلغ طولها 6 أمتار وعرضها 3 أمتار، والتي اكتشفها مصادفة فلاح بسيط من بيت لاهيا في حديقة منزله، ويعود تاريخها إلى 179 ميلادي في الفترة خلال الحقبة البيزنطية وتؤرخ أيضا لأهمية الفترة البيزنطية في تاريخ الشرق وتبرز الثراء التاريخي لمدينة غزة، معتبرة أن هذه الفسيفاء والآثار عموما تمثل محصلة للتعاون المعرفي والثقافي المثمر بين فرنسا والسلطات الفلسطينية الذي تم بموجبه ترميمها في مدينة آرلش ( Arles)‏ جنوبي فرنسا، وهو ما مكن اليوم من عرضها وتقديمها ليكتشفها الزوار في هذا المعرض الباريسي.

وخلصت ايلودي بوفار أمينة المعرض، في ختام حديثها لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إلى أن معرض ” كنوز منقذة من غزة” يبرز أنه من دون تاريخ وجذور لا يمكن أن ينجح النضال والمقاومة، ولا يمكن قطع جذور وهوية شعب ما دون أن نصل إلى نتيجة درامية وخطيرة، قائلة “أردنا كمنظمين من خلال هذا المعرض أن نقول أنه عبر التاريخ والتجذر في الذاكرة يستطيع أي شعب أن يحافظ على مقومات هويته وتاريخه”.

جدير بالذكر أن معرض “كنوز منقذة من غزة: 5000 عام من التاريخ”، الذي ينظم بالتعاون مع جمعية أ”فر دو رويونت” ومتحف الفن والتاريخ في جنيف والسلطة الوطنية الفلسطينية وبدعم من مؤسسة “أليف”، كان قد انطلق في الثالث من أبريل الجاري ليمثل رحلة فنية للاحتفاء بالتراث الفلسطيني والشرقي لا سيما في المناطق المتأثرة بالنزاعات والأزمات.

(انتهى)

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى