
رام الله (يونا/ وفا) – استنكرت المرجعيات الدينية في فلسطين اليوم الثلاثاء، وضع سلطات الاحتلال الإسرائيلي أقفالا على أبواب غرف الحرم الإبراهيمي ومقاماته في مدينة الخليل، محذرة من عواقب خطيرة جراء استمرار انتهاكات الاحتلال والمستعمرين للمقدسات الإسلامية والمسيحية في الأراضي الفلسطينية.
وفي مؤتمر صحفي عُقد في مقر الهيئة العامة لتلفزيون فلسطين بمدينة رام الله، أكد قاضي قضاة فلسطين، مستشار الرئيس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية محمود الهباش، أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي المتطرفة تعمل على تكريس الحرب الدينية عبر استهداف المقدسات الدينية، وبالذات المسجد الأقصى المبارك والمسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل.
وقال الهباش إن حكومة الاحتلال المتطرفة حولت الصراع بالفعل إلى صراع ديني، على القيم الدينية والمقدسات، الأمر الذي ينذر بعواقب وخيمة لا تتوقف عند حدود الأراضي الفلسطينية، وإنما يمكن أن تتجاوزها إلى الإقليم وربما إلى العالم بأسره.
وشدد على أن ما أقدمت عليه سلطات الاحتلال من إغلاق أبواب في الحرم الإبراهيمي أمر في غاية الخطورة، يضاف إلى سلسلة انتهاكات كمنع الأذان وإقامة الشعائر في مناسبات دينية مختلفة، وآخرها في شهر رمضان المبارك، وقد يكون تمهيداً للسيطرة على تلك المرافق، وتوسيع السيطرة والاحتلال غير الشرعي على الحرم، الذي يشكل مكان عبادة دينيا خالصا للمسلمين، لا حق لغيرهم فيه.
وأضاف الهباش أن ما تقوم به سلطات الاحتلال في الحرم الإبراهيمي غير قانوني وعدواني، ويمثل اعتداءً على المقدسات، ويمس عقيدة ملايين المسلمين حول العالم، الأمر الذي يفتح الباب أمام عواقب شديدة الخطورة.
وأكد أنه لا يجب أن يلام الفلسطيني على تصديه للمؤامرات التي يتعرض لها المسجدان الأقصى والإبراهيمي، والانتهاكات التي تطال حرمة المقدسات المسيحية والاعتداء على الرهبان، وفتح الباب أمام المستعمرين لممارسة عدوانيتهم على تلك الأماكن، وعلى المؤمنين، ورجال الدين.
وأوضح الهباش أن موقف القيادة الفلسطينية ثابت بأن الأقصى والإبراهيمي مسجدان خالصان للمسلمين، والسيادة على كليهما فقط لدولة فلسطين والشعب الفلسطيني، ولا حق للإسرائيليين في التدخل في شؤونهما.
وقال: “نحن متمسكون بالحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني في المقدسات سواء في القدس أو الخليل، ومعتزون بالرعاية الأردنية والشراكة الهاشمية مع دولة فلسطين في رعاية وحماية هذه المقدسات التي سنستمر في الصمود وحمايتها”.
واعتبر الهباش أن الانتهاكات بحق الأماكن المقدسة دخلت مرحلة أشد خطورة من أي وقت مضى، ما يحتم إطلاق نداء تحذير ودق جرس إنذار، ودعوة الأمتين العربية والإسلامية إلى التحرك بإجراءات عملية، دفاعاً عن المقدسات التي تمثل الجدار الأخير الذي يحمي هوية الأرض الفلسطينية، مشيرا إلى أن القيادة الفلسطينية تتحرك في إطار القانون، وتحت مظلة الشرعية الدولية، وستعمل على ملاحقة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، وفي محكمة العدل الدولية وغيرها، لوضع حد لهذا الانتهاك الخطير لحرية العبادة وحرمة المقدسات، والذي يتناقض مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
من جانبه، أعلن وزير الأوقاف والشؤون الدينية في فلسطين، محمد مصطفى نجم، أن الحكومة الفلسطينية باشرت بحراك قانوني لإبطال إجراءات الاحتلال وانتهاكاته بحق أماكن العبادة، وآخرها في الحرم الإبراهيمي بالخليل.
وتطرق نجم إلى أن الوزارة شرعت بإجراءات لإبطال إجراءات الاحتلال، وأهمها إغلاق المساجد خاصة الصغيرة منها في محيط البلدة القديمة بالخليل أيام الجمع، لتوجيه المصلين لأداء الشعائر في الحرم الإبراهيمي وتكريس وجودهم، وتوفير الاحتياجات اللازمة للحرم بعد التواصل مع الجهات الرسمية، ونشر التقارير بخصوص الانتهاكات المرصودة في أنحاء العالم.
وأضاف أن انتهاكات الاحتلال ليست مستغربة عليه لا حديثاً ولا عبر التاريخ، إذ إنهم قتلوا الأنبياء وكذبوهم، مؤكداً أنها لن تمر مرور الكرام، وسيبقى الحرم الإبراهيمي إسلامياً وفلسطينياً خالصاً.
وبين أن انتهاكات الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بحق المقدسات وأماكن العبادة فاقت بكثير ما رُصد من انتهاكات في الفترة ما بين عامي 1994-2023، مشيراً إلى أنها تمس السيادة الفلسطينية السياسية والدينية بصفة عامة، وتمثل تعدياً على صلاحيات وسلطة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي تشرف على المقدسات الإسلامية والمسيحية.
من جهته، ندّد المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، رئيس مجلس الإفتاء الأعلى، الشيخ محمد حسين، بكل الإجراءات والاعتداءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى المبارك، والحرم الإبراهيمي الشريف.
وأكد أن المساجد التي تمثل أماكن عبادة للمسلمين وحدهم لا يشاركهم فيها أحد، اقترف فيها الاحتلال والمستعمرون انتهاكات واسعة ودامية، أبرزها مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994 التي اقترفها أحد جنود جيش الاحتلال، وخلّفت 40 شهيداً، ومجزرة المسجد الأقصى عام 1990 التي ارتقى فيها عشرون شهيداً، بهدف خلق واقع جديد ومحاولة فرض تغيير الوضع القانوني والديني والتاريخي في هذين المسجدين بشكل خاص، وغيرها من أماكن العبادة كمقام النبي يوسف في نابلس، والنبي صموئيل شمال غرب القدس.
وأضاف حسين أن المحتل الإسرائيلي يزعم أنه صاحب حق للوصول إلى تلك الأماكن لأداء شعائر وممارسات تلمودية وتوراتية، وهو ما يرفضه الفلسطينيون بكل هيئاتهم الدينية والسياسية والوطنية، وكذلك موقف دول العالمين العربي والإسلامي، التي تؤكد أن الأقصى والإبراهيمي وسائر المساجد هي وقف للمسلمين وحدهم، وكل الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية على المساجد والكنائس لا تعطي أدنى حق للمعتدي.
وأكد أن مشاركة وزراء متطرفين من حكومة الاحتلال وغيرهم من المسؤولين في اقتحامات المسجد الأقصى، تدلل على أن المستوى الرسمي الإسرائيلي يؤيد اعتداءات المستعمرين وجماعات المتطرفين اليهودية.
ونوه إلى أن الاحتلال كما ينص القانون الدولي لا يُكسب المحتل أي حق في الأرض المحتلة، ولا يمكنه انتهاك حرمة أماكن العبادة التابعة للشعب الفلسطيني بقسميه المسلم والمسيحي.
وتابع: الاعتداءات الإسرائيلية القائمة ترفضها الشرائع السماوية التي أكدت ضرورة الحفاظ على أماكن العبادة لأصحابها، كما يرفضها القانون الدولي والموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي، والرعاية الهاشمية المشكورة.
وطالب الشيخ حسين، العرب والمسلمين بالمشاركة بشكل مباشر في حماية المقدسات الدينية في فلسطين، والدفاع عنها ودفع الأذى عنها، ومنع الانتهاكات الواقعة عليها بكل الوسائل المتاحة، لا سيما تفعيل القانون الدولي وقوانين الوضع الراهن في هذه الأماكن والمحافظة عليها، من خلال الدول والمؤسسات والمنظمات الدولية “كالـيونسكو”، التي تعتبر كل مدينة القدس والمسجد الإبراهيمي من التراث الديني التاريخي المسجل لديها.
(انتهى)