مؤتمر الحوار الإسلامي ـ الإسلامي

المشاركون في الجلسة الرابعة لمؤتمر الحوار الإسلامي – الإسلامي ينادون بتضافر الجهود وتعزيز المواطنة لصون المجتمعات من الفرقة والانقسام

المنامة (بنا/ يونا) – أكد المشاركون في جلسة العمل الرابعة لمؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي “أمة واحدة.. مصير مشترك”، والتي كانت بعنوان “الحوار الإسلامي الإسلامي وقضايا المواطنة” بإدارة الدكتور السيـد مصطــفى محقق داماد  رئيس قسم الدراسات الإسلامية بأكاديمية العلوم، الرئيس الفخري لمؤسسة أديان من أجل السلام أن التحديات المحدقة بالأمة تتطلب تضافر جهود أبنائها، والبناء على المشتركات والإفادة من الإرث الإسلامي وصون المجتمعات من الفرقة والانقسام.

وخلال الجلسة أكد الأستاذ الدكتور نظير عياد  مفتي جمهورية مصر العربية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أنّ «المواطنة» ليست كما يصورها البعض فكرة غربية وافدة تتعارض مع روح الإسلام، بل  إنها في الحقيقة دعوة للتعارف، وتحقيق العدالة، وإقامة لجسور المحبة بين القلوب المختلفة. وقد جسد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم في وثيقة المدينة، التي اعترفت بالهويات المتعددة وأتاحت لكل جماعة مكانها ضمن دولة واحدة.

وقدم عدداً من المقترحات للمشاكل والتحديات الناجمة من تراجع الثقة المجتمعية بسبب الخطابات الطائفية، مشيراً إلى أهمية تأسيس رابطة عالمية مستقلة لتوحيد جهود التقريب بين المؤسسات، وتعزيز التفاهم والمواطنة، وضمان استقلاليتها فضلاً عن تعزيز العمل الإنساني المشترك بين الطوائف الإسلامية في الإغاثة ومكافحة الفقر والجهل، لترسيخ الوحدة والانتماء.

من جهته أكد الدكتور عمر حبتور الدرعي رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة بدولة الإمارات العربية  أنّ الحوار يمثل ضرورة إنسانية، وثقافة مجتمعيةٌ، وحاجة واقعية، لا بديل عنها ولا محيد. ونوه بأهمية اغتنام فرصة  انعقاد المؤتمرِ لمواصلة الارتقاء في صناعة الحوار؛ مشيراً إلى أن اللبنة الأولى في هذا البناء هو الوعي بمفهوم الحوارِ نفسه، كأن يَستَمِعَ كلُّ طرف من الآخر بهدوء، ويتأمل وجهة نظره، ويُنصت لرأيه، موضحاً أن ذلك لا يعني إقناعه وانتقاله عن رأيه، ولكنه يؤدي فهم ما لدى الآخر، ورفع ستائر الجهالة العاتمة التي وصفها بأصل الشرور.

ونوه الدكتور الدرعي بأن الحوار رافد مهم من روافد المواطنة الإيجابية، وأَساس من أسس الدولة الوطنية القوية، باحترام التنوعِ وإبرازِ القواسم المشتركة لتجاوز الاختلافات، وترسيخ المحبة والسلام، مشيراً إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة، خلقت نموذجا يُحتذى به في هذا المجال، وأوجدت زخما عالميا؛ بحيث وفّرت كل الدواعي وخلقت منظومة متكاملة وإطارًا  يضمن “ثقافةَ الحوار” ونجاحه، دون إقصاءٍ أو تضييق، من خلال أنشطة متنوعة؛ من صروح ومشاريع ومبادرات، ووثائق وتشريعات، من أجل ضمان ممارسة حضارية أنيقة للحوار من الجميع.

من جانبه أشار السيد الدكتور جواد الخوئي رئيس دار العلم للإمام الخوئي، أستاذ كرسي اليونسكو لتطوير دراسات الحوار بين الأديان في جامعة الكوفة إلى إن “الإسلام العظيم قام على دعامتين راسختين هما كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة، فكلمة التوحيدِ هي وثاق قوي يجمع المذاهب المتفرقة إلى الدين الواحد،والإله الواحد”.

وأكد الخوئي أهمية ولادة حوار قائم على الاحترام، وحفظ إنسانية الإنسان بصفته مخلوقًا مُكرَّما، له من الحقوق ما يستحق به الاحترام، ومن الكرامة ما يستوجب الرعاية، منوهاً بدور المؤسسات الدينِية في تعزيز الوحدة الإسلاميةِ.

وفي هذا الصدد استذكر زيارة المرحوم السيد عبدِ المجيدِ الخوئي إلى مملكة البحرينِ قبل أكثر من عشرين عامًا، حيث استقبل بحفاوة من قبل ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وقد جاءت زيارته في إطار الإعداد لمؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية، في مسعى لتعزيز روح الوحدة والتسامح بين أبناء الأمة، فعُقد المؤتمر في عام 2003 في البحرين بالشراكة مع مؤسسة الإمام الخوئي.

وبدوره تطرق سماحة السيد محمد علي أبطحي  نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، رئيس المؤسسة الدولية لحوار الأديان إلى أهمية تحليل جذور المشكلات وحلول الحوار بين المذاهب الإسلامية.

وأشار أبطحي إلى تعددية الثقافات في مجتمع اليوم، بفعل الإنترنت وحضور الشبكات الاجتماعية التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، أو بفعل مقتضيات العولمة والتنقلات السكانية الواسعة التي يشهدها العالم. بسبب العولمة والهجرة وثورة الاتصالات، مما حول الحياة إلى مجتمع متعدد الأبعاد، واستُبدلت الثقافات الأحادية بثقافات متعددة.

وأضاف:”نحن نعيش في عالم مليء بالتناقضات. فمن ناحية، قربت العولمة والتكنولوجيا الثقافات المختلفة وجعلت الناس من مختلف التوجهات الدينية والثقافية أقرب إلى بعضهم البعض على المستوى العالمي. ومن ناحية أخرى، أحدثت الثورة الهائلة في تكنولوجيا الاتصالات إمكانية الحديث لكل فرد، مما زاد من تعقيد أي حوار أو اتفاق، وأدت التفسيرات المتطرفة إلى تقديم صورة عنيفة وغير إنسانية للإسلام للعالم، مما جعل الإسلاموفوبيا أزمة جدية للمسلمين، حيث ركز علماء الدين على قضايا تقليدية مرتبطة بالتراث، وأهملوا القضايا المتعلقة بالحياة الحديثة. وفقدان اللغة المشتركة مع الأجيال الجديدة هو نتيجة لهذا الإهمال.

كما دعا إلى الحاجة إلى توافق بين المؤسسات الدينية والجامعات على المبادئ الأساسية للدين، والابتعاد عن الجدال حول الفروع الثانوية. مؤكداً على أهمية أن يتفق العلماء على الحد الأدنى من الأسس المشتركة لتسهيل الحوار والتعاون.

وعلى صعيد متصل، أكد الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان – مفتي الجمهورية اللبنانية أن الإسلام دين السمِاحة والعدالة والاعتدال، وإن الحوار في الإِسلام من مكامنِ عظمة هذا الدينِ الحنِيف، بل وهو لغته العالمية، فالحوار مبدأٌ عظيم  مِن مبادئ الإِسلام، وقيمة من قيمه، ومنهج متبع في دعوته، ولا يمكن أَن تقوم العلاقات الاجتماعية بين الناس، إلا من خلالِ تأْصيل هذه اللغة الجامعة، التي تقوم على احْترام الآراء المتباينة؛ لأن فيها تقديرًا لقيمة العقل، ولأن الحوار مهم لبناء شخصية الإنسان، القائمة على المواطنة الحقيقية التي منها الانتماء، والمشاركة الفعَّالَة، والتسامح، والعدالة، والحرية، ولبناء عالَم أَفضل، ومستقبل مُشرق.

وشدد على أن تَأْسيس سبل التفاهم والتعايُش، يُعد من الضرورِيات الأساسية التي تتطلبها العلاقات بين الناس، لذا نظم الإِسلام آليَّات الحوار ووسائله من حيث الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أَحسن، وإن الفهم الصحيح للحوار وحرية الاختلاف، هو تقدير للذات، واحترام للآخر ورأْيه.

إلى ذلك دعا الشيخ طلعت تاج الدين – المفتي العام رئيس النظارة المركزية لمسلمي روسيا إلى ضرورة بذل المزيد من الجهود لتوسيع وتعميق «الحوار الإسلامي – الإسلامي» وإثراء الأبحاث والدراسات المتعلِّـقة بالمبادئ الخالدة التي استندت إليها “صحيفة المدينة” لتشييد مجتمع متضامن مبني على العدل ومساواة أَفرده أجمعهم. وأشار إلى أن مملكة البحرين وبرعاية سامية من حضرة صاحب الجلالةِ ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه أصبحت موقعًا بارزًا أمينًا لمبادرات إسلامية عالمية تهدف إلى تمكين وتعزيز وحدة الأمة الإسلامية.

وخلال مشاركته أكد السيد علي بن السيد عبدالرحمن الهاشمي، مستشار الشؤون الدينية والقضائية بديوان الرئاسة بدولة الإمارات العربية المتحدة، أن مؤتمر الحوار الإسلامي – الإسلامي “أمة واحدة ومصير مشترك” يعزز التلاحم والتقارب بين وجهات النظر لمختلف الطوائف والمذاهب الإسلامية.

وأكد أن الحوار والتفاهم يأتي من سعة في الرؤى وسماحة في الاخلاق حيث التحديات،  ولا تزال التجارب تطلعنا على عدد من الحقائق التي ينبغي الألتفات اليها، مبينا فضيلته أن الحوار من أسرار إعجاز القرآن الكريم، حيث ينوع القرآن الأساليب ليصل بكل الطرق إلى النفس، ومن جوانب الحكمة أنّ الله  سبحانه خلق النفوس مختلفة في طبائعها وإدراكها وتفكيرها، فالقران الكريم يؤسس لثقافة الحوار حتى مع المخالفين وغير الموحدين، لذا ينبغي أن يكون الحوار أولى بين أبناء الأمة الواحدة.

إلى ذلك أشاد الدكتور عمر بخيت العقاري -وزير الشؤون الدينية والأوقاف بجمهورية السودان بالجهود المحمودة للعلماء في حل المشاكل التي تعاني منها الأمة، فالحوار والمواطنة قضايا متجددة وتحتاج إلى أفكار خلاقة تحتاج مواكبة لتتجاوز الأفكار المتكررة، ليعيش المواطنون في كنف مختلف الدول بحقوق متساوية، لذا يعد الحوار جسراً عظيماً لاستقرار البلدان واستيعاب الجميع وتوسيع قاعدة الحوار لتشمل جميع المدارس الفقهية الإسلامية المختلفة بما يثري الحضارة الإسلامية ويخدم قضايا دولها وشعوبها.

(انتهى)

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى