تقارير وحوارات

الرئيس الكازاخستاني يدعو من منتدى أستانا الدولي إلى مواجهة التحديات العالمية بروح التعاون المتبادل

أستانا (يونا) – تحت رعاية الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف، انطلقت اليوم الخميس أعمال منتدى أستانا الدولي في العاصمة الكازاخستانية أستانا والذي يعقد خلال الفترة  من 8 إلى 9 يونيو.

ويهدف المنتدى إلى معالجة التحديات العالمية المتعلقة بالمناخ وندرة الغذاء وأمن الطاقة وغيرها من القضايا، بمشاركة دولية واسعة.

وفي مستهل الجلسة العامة للمنتدى، قال الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف: إنه لمن دواعي سروري البالغ أن أرحب بكم جميعًا في منتدى أستانا الدولي، حيث ينضم إلينا أصدقاء وزملاء من جميع القارات ومن عوالم الحكومات والدبلوماسية والأعمال والأوساط الأكاديمية.

وأضاف: يشرفنا التزامكم الشخصي بالحضور إلى هنا والانضمام إلينا فيما نأمل أن يكون تبادلًا مثمرًا لوجهات النظر حول الوضع الحالي للشؤون الاقتصادية العالمية وقضايا التعاون الإقليمي. نعتقد أن هذه هي إحدى طرق التعبير عن الإحساس الحقيقي بالشراكة الدولية.

وأعرب الرئيس الكازاخستاني عن خالص تقديره لشريك المنتدى الاستراتيجي، الأمم المتحدة ومنظماتها، بما في ذلك صندوق النقد الدولي واليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة التجارة العالمية واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ والمؤسسات الدولية الأخرى.

وأوضح أنَّ منتدى أستانا الدولي هو منبر للحوار مهمته: أولاً مراجعة الوضع العالمي بصراحة، والتعرف على أبرز التحديات والأزمات التي تواجهنا، ومواجهة تلك التحديات من خلال الحوار بروح من التعاون المتبادل.

كما تتمثل مهمة المنتدى أيضاً، بحسب الرئيس الكازاخستاني، في تجديد وإعادة بناء ثقافة مشتركة للتعددية، وإسماع الأصوات الداعية للسلام والتقدم والتضامن.

وأكد أن المنتدى يروج بشكل صريح للمشاركة التي نحتاجها أكثر من أي وقت مضى في ظل فترة التوتر الجيوسياسي غير المسبوق التي يمر بها العالم، مضيفاً أنه “من أجل البقاء، يجب أن يعمل النظام العالمي من أجل الجميع، ويعزز السلام والازدهار للكثيرين وليس للقلة”.

وقال توكاييف: “إننا نشهد عملية تآكل أساس النظام العالمي الذي تم بناؤه منذ إنشاء الأمم المتحدة”، مضيفاً أنَّ “الأمم المتحدة تظل المنظمة العالمية العالمية الوحيدة التي توحد الجميع، ومن هنا فلن ننجح في مواجهة هذه التحديات في غياب إصلاح شامل لمجلس الأمن. يجب تضخيم أصوات القوى الوسطى في المجلس وسماعها بوضوح”.

وتابع: “تهدد حفنة من “الأزمات الجديدة” الأخيرة – من كوفيد -19 إلى النزاعات المسلحة – نظامنا البيئي الدولي الهش، ومع ذلك، فإن جذور هذا التفكك تمتد أعمق إلى ماضينا”.

وأشار توكاييف إلى أننا “نشهد أيضاً عودة عقليات “التكتل” المسبِّبة للانقسام التي لم نشهده منذ 30 عاماً. إن قوى الانقسام ليست جيوسياسية بحتة. كما أنها مدفوعة بمحركات اقتصادية”، لافتاً إلى أن “السياسة الاقتصادية نفسها مُسلَّحة بشكل علني، من خلال العقوبات والحروب التجارية، وسياسات الديون المستهدفة، وتقليل الوصول أو الاستبعاد من التمويل والاستثمار”.

وشدَّد على أنَّ هذه العوامل مجتمعة تقوض تدريجياً الأساس الذي يقوم عليه السلام والازدهار العالميان في العقود الأخيرة، والمتمثل في التجارة الحرة، والاستثمار العالمي، الابتكار والمنافسة العادلة.

وأضاف: “هذا بدوره يغذي الاضطرابات الاجتماعية والانقسام داخل الدول والتوترات بينها، وتزايد التفاوتات والانقسامات الاجتماعية واتساع الفجوات في الثقافة والقيم”، مبيناً أنَّ كل هذه الاتجاهات أصبحت “تهديدات وجودية”.

واعتبر أن الجهود المبذولة لإيقاف هذا المد أكثر صعوبة بسبب انتشار المعلومات المضللة، والتي أصبحت الآن أكثر تقدمًا وخطورة، وفي موازاة ذلك، فإنَّ التقنيات الجديدة، من الذكاء الاصطناعي إلى التقنيات الحيوية، لها آثار عالمية ولكن يتم تناولها على أسس وطنية ضيقة فقط”.

وحذر الرئيس الكازاخستاني من أن هذه الضغوط تدفع مجتمعة النظام العالمي المعولم إلى نقطة الانهيار.
وأضاف “النتيجة هي تزايد انعدام الثقة الذي يؤثر سلباً على عمل المحافل الدولية البارزة والأطر القائمة والأنظمة الأمنية، وآليات عدم الانتشار”.

وتابع: “لذلك، فإننا نواجه عدم اليقين والمزيد من عدم الاستقرار والصراع، وهذا بدوره يدفع إلى زيادة الإنفاق الدفاعي على الأسلحة المتقدمة، والتي لا تضمن شيئاً في النهاية، والدليل أننا لأول مرة منذ نصف قرن، واجهنا احتمال استخدام الأسلحة النووية. كل هذا يأتي بالضبط في اللحظة التي نحتاج فيها بشكل عاجل إلى التركيز على التهديد الوجودي لتغير المناخ”.

وأوضح توكاييف أن “النقطة الأساسية هي أنه مثلما تدفعنا مجموعة من الضغوط الجيوسياسية بعيداً عن بعضنا البعض، فإننا نواجه واجبًا واضحًا وقويًا للالتقاء، والمشاركة، والتعاون، والاصطفاف مع بعضنا البعض”.

وفي هذا الصدد، أكد توكاييف أنَّ منتدى أستانا الدولي يعد أحد الخطوات العديدة الممكنة لعكس هذا الاتجاه.
وأضاف: “فقط من خلال الاجتماع معاً، والتشاور معًا، والصدق المتبادل بشأن مشاكلنا، وشواغلنا وآمالنا، يمكن للمجتمع الدولي معالجة هذه القضايا. بهذه الطريقة فقط يمكننا تشكيل مستقبلنا المشترك، والعودة إلى البناء التدريجي لعالم أكثر استقرارًا وإنصافًا وازدهارًا للجميع”.

وشدد على أنه “لطالما كانت كازاخستان مفترق طرق بين الشرق والغرب والشمال والجنوب. من نواحٍ عديدة، يتوافق هذا المنتدى مع ثقافة وتاريخ السهوب الأوراسية العظيمة. نحن نفخر بهذا التراث. ومن هذا التبادل المستمر للسلع والثقافات والأفكار، ظهرت الهوية الوطنية الفريدة لكازاخستان وعلامتها التجارية الخاصة بالتعددية”.

وقال إنه “على الرغم من الاضطرابات الجيوسياسية، لا تزال كازاخستان تعمل كمحرك اقتصادي في آسيا الوسطى ومن أجلها. نواصل جذب استثمارات أجنبية كبيرة وتوفير ظروف استثنائية لممارسة الأعمال التجارية في كازاخستان”.

وأضاف: “في الوقت نفسه، نأمل في الشعور بالمسؤولية المتبادلة من شركائنا الأجانب. هذه هي سياستنا الأساسية. وهذا بدوره يخلق حقوقًا وفرصًا متساوية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تلعب دورًا أساسيًا في التنمية الاقتصادية لبلدي”.

وأوضح أنه في العام الماضي، زادت صادرات كازاخستان بنحو 40%. في حين أن نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي لدينا لا تزال تأتي من قطاع الطاقة، فإن دافعنا نحو التنويع يتسارع. نحن نشهد نموًا عبر قطاعات متنوعة مثل السيارات والأدوية والمعادن المصنعة والهندسة الميكانيكية”.

ودعا الرئيس الكازاخستاني جميع الذين يرغبون في استكشاف سبل جديدة إلى العمل والشراكة الاقتصادية مع كازاخستان.

وقال توكاييف: “لطالما عمل بلدي بجد للإسهام في السلم والأمن الدوليين. نحن من المؤيدين الأقوياء لنزع السلاح النووي والالتزام بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. بدأ بلدنا عملية أستانا للسلام لمعالجة الأزمة السورية. وأصبحت عاصمتنا موطنًا لمؤتمرات القمة لزعماء الأديان العالمية، كما أصبح مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا ومقره في أستانا آلية واضحة لمواجهة التحديات الإقليمية والعالمية”.

وأضاف: “على سبيل المثال، شاركنا بقوة في معالجة الأزمة الإنسانية في أفغانستان”، مؤكداً على ضرورة “زيادة المساعدة الشاملة للشعب الأفغاني تحت رعاية الأمم المتحدة، وداعياً إلى إنشاء مركز إقليمي للأمم المتحدة في ألماتي لأهداف التنمية المستدامة لآسيا الوسطى وأفغانستان.

وشدد على أن كازاخستان عملت بجد للحفاظ على علاقات ودية مع شركائها العالميين والإقليميين، وهي ملتزمة بأجندة تعاون إقليمي متنامية مع الدول الشقيقة لها في آسيا الوسطى.

وأضاف: “داخل كازاخستان، نبذل جهود إصلاح متجددة لترسيخ مبادئ العدل وسيادة القانون والمساواة والإنصاف. من الواضح أن عقيدتي قوية: القانون والنظام. وهذا أساس متين لبناء كازاخستان العادلة والمنصفة”.

وتابع: “في فترة زمنية قصيرة للغاية، قمنا بإصلاح مؤسساتنا، وتقليص صلاحيات الرئاسة، وتعديل دستورنا، وإعادة ضبط النظم السياسية والاقتصادية، ومحاربة الفساد، لذا فإن كازاخستان المعاصرة تختلف عما كانت عليه قبل عامين على سبيل المثال”.

وزاد: “طريقنا لإصلاح النظام الحالي لم ينته بعد. نحن ندرك أنَّ الإصلاحات السياسية والاستثمارات في رأس المال البشري يمكن أن تنقذنا من فخ الدخل المتوسط وتجعل اقتصادنا أكثر مرونة”.

وأكد أنه على الرغم من حدوث تحول ذي مغزى بالفعل “لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، لكننا نستمد الشجاعة من إدراكنا لحقيقة أنه للقيام برحلة ناجحة، يجب أن يكون الشخص مستعداً للتغلب على الكثير من المزالق. نحن جاهزون لذلك”.

وشدد الرئيس الكازاخستاني على أنه من بين جميع التحديات التي نواجهها، ربما يكون تغير المناخ هو الأكثر وجودية، لافتاً إلى أنَّ منطقة آسيا الوسطى هي إحدى الخطوط الأمامية في مواجهة هذا التحدي.

وأشار إلى أنه “حتى لو نجحنا في الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050- وهو ما يبدو مستبعدًا بشكل متزايد- فسنشهد ارتفاعًا في درجات الحرارة يتراوح بين 2 و 2.5 درجة مئوية هنا في آسيا الوسطى”.

ولفت إلى أن هذا سيؤدي إلى تحويل بيئاتنا المحلية إلى التصحر والجفاف، لذا يجب أن نكون مستعدين لمزيد من الصعوبات.

وعبر عن قلقه بشأن ندرة الموارد المائية، مبيناً أن الجفاف والفيضانات في آسيا الوسطى ستتسبب في أضرار بنسبة 1.3٪ من إجمالي الناتج المحلي سنويًا، بينما من المتوقع أن تنخفض غلة المحاصيل بنسبة 30٪، مما يؤدي إلى حوالي 5 ملايين مهاجر داخلي بسبب المناخ بحلول عام 2050، وقد انخفض سطح الأنهار الجليدية لدينا بالفعل بنسبة 30٪.

ومن أجل مناقشة هذه القضايا وغيرها من القضايا المتعلقة بالمناخ في المنطقة، اقترح الرئيس الكازاخستاني إنشاء مكتب مشروع لبلدان آسيا الوسطى في ألماتي وعقد قمة المناخ الإقليمية في كازاخستان في عام 2026 تحت رعاية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.

وقال: “يمكن لبلدي أن يوفر فرصاً هائلة للاقتصاد الأخضر وأن يظهر أخيراً كمركز للطاقة المتجددة. ومع ذلك، فإن الوقت ليس في صالحنا. لإزالة الكربون وبناء الاقتصادات الخضراء بالسرعة اللازمة، نحتاج إلى موارد وشراكات”.

وعبَّر عن أمله في أنَّ المناقشات البناءة في اليومين المقبلين للمنتدى يمكن أن تبدأ في دفعنا نحو الحلول المحتملة والمزيد من التعاون.

يذكر أن منتدى أستانا الدولي انبثق من نجاح منتدى أستانا الاقتصادي، وقد تم تصميمه لمعالجة أربع قضايا عالمية رئيسية: السياسة الخارجية، والأمن والاستدامة، والطاقة والمناخ، والاقتصاد والتمويل.

وتقع هذه الركائز في صميم مهمة المنتدى المتمثلة في “معالجة التحديات من خلال الحوار: نحو التعاون والازدهار والتقدم.

ويتضمن برنامج المنتدى كلمات رئيسية وجلسات نقاشية ومناقشات جماعية وفعاليات أخرى.

(انتهى)

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى