فلسطين

غزة بلا أضاحي للعام الثاني… ومن كان يُضحي أصبح هو الضحية

غزة (يونا/وفا) – تغيب الأضاحي للعام الثاني على التوالي عن موائد المواطنين في قطاع غزة، بعد أن كانت إحدى أهم أساسيات العيد لدى العائلات الغزية التي تُصرّ على التمسّك بعاداتها الدينية والاجتماعية، وترى في الأضاحي رسالة صمود وثبات.
قبل بدء عدوان الاحتلال على قطاع غزة في السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023، وتحديدا في عيد الأضحى في ذلك العام أي قبل بدء العدوان، تم ذبح نحو 17 ألف رأس من العجول، و24 ألف رأس من الأغنام، وشاركت في هذا الموسم نحو 130 ألف أسرة، بنسبة بلغت 28% من سكان القطاع.
واليوم، أصبح المواطنون في قطاع غزة جوعى، إثر حصار خانق يفرضه الاحتلال الإسرائيلي، حيث يمنع دخول المواد الغذائية والأدوية، والمساعدات المتكدسة عند المعابر.
تؤكد المؤشرات الميدانية انهيار شبه كامل في قطاع المواشي، وتوقف الكثير من المزارع عن الإنتاج، وفقدان مئات الآلاف من الأسر للقدرة على شراء لحوم الأضاحي، ناهيك عن تراجع دور الجمعيات والمؤسسات الخيرية التي كانت توزّع الأضاحي على الفقراء.
فالعيد هذا العام في غزة، ليس سوى يوم آخر من الحرب، لا زينة، ولا ملابس جديدة، ولا زيارات، فقط طوابير طويلة أمام المخابز، ونزوح مستمر ومتواصل، وخيام وحر وجوع وعطش.
صاحب مزرعة مواشي في محافظة رفح محمود الصرفندي الذي كان يبيع مئات رؤوس العجول والخراف قبل العدوان، وكان موسم عيد الأضحى مصدر رزق أساسي له، يقول: في عيد الأضحى الماضي أثناء الحرب، كان لدي حوالي 120 رأس غنم، وكان سعر كيلو الخروف الحي يتراوح بين 20 دينارا أردنيا (100 شيكل) و25 دينارا، وهو ما كان مرتفعًا جدا. أما قبل الحرب، فكان متوسط سعر كيلو الخروف الحي 5 دنانير فقط (25 شيكل)، وكان الإقبال مرتفعا نسبيا، حتى في ظل الحصار المفروض منذ عام 2006″.
ويضيف: خلال الشهرين الماضيين، لم يتمكن من شراء سوى 30 رأسا من الخراف فقط، بسبب الانهيار الكامل في قطاع المواشي، والنقص الحاد في الأعلاف، وعدم وجود بيئة سليمة لتربية الحيوانات أو إعادة تكاثرها، إضافة إلى حالات النزوح المستمر.
وتابع الصرفندي: “اليوم، ارتفع سعر كيلو اللحم الحي إلى نحو 40 دينارا أردنيا، أي حوالي 230 شيكل، وهذا رقم خيالي، ولم يعد بإمكان المواطنين شراء الأضاحي، ولذلك نضطر إلى بيعها فقط للمؤسسات الخيرية إن وُجدت”.
ومن بين أبرز التحديات التي يواجهها المربّون، يذكر الصرفندي: “عدم توفر الأعلاف، وعدم دخول أي نوع من الأعلاف المستوردة منذ بدء الحرب، إذ ارتفع سعر كيلو العلف من 1.5 شيكل قبل الحرب إلى 50 شيكل الآن، كما أن البيطرة شبه غائبة؛ لا يوجد أطباء بيطريون، ولا أدوية للمواشي، ولا تطعيمات وقائية، لأن الاحتلال يمنع دخولها”.
ويشير إلى أن قصف الاحتلال طال المزارع الواقعة قرب المناطق الحدودية، والتي كانت بعيدة عن السكان، ما أدى إلى نفوق آلاف المواشي، وإلى انهيار بيئة التربية بشكل كامل. ويؤكد: “الخروف الواحد يستهلك يوميا كيلو علف، والبقرة تحتاج إلى 12 كيلو، ولهذا السبب لم يعد أحد يربي الأبقار في غزة؛ العدد المتبقي منها قليل جدا ويُستخدم فقط للاستهلاك المنزلي، بسبب عدم توفر أعلافها الخاصة”.
حتى الجِمال، التي كانت تُربّى بشكل محدود عند بعض قبائل البدو، تحوّلت إلى سلعة نادرة. قبل الحرب، كان سعر الجمل الواحد حوالي 1000 دينار أردني (5000 شيكل)، أما اليوم فقد تجاوز سعره 50 ألف شيكل (10,000 دينار)، رغم أنه يتغذى على الأعشاب وألواح الصبّار ولا يحتاج إلى أعلاف مستوردة.
لكن رغم ذلك، فقد أدى القصف، وحالة الفوضى، والنزوح، إلى نفوق المئات من الجمال، ما زاد من ندرتها في السوق.
في شهادة مؤلمة، يقول إسماعيل مطر (60 عاما)، وهو مقاول بناء من جباليا: “كنت أضحي بعجل كل عام، نوزّعه على الأهل والجيران والمحتاجين. كانت أياما فيها بركة. أما اليوم، فلا بيت لنا، نعيش نازحين، والبيت صار خيمة، والمجاعة تنهش أجسادنا. لم نعد نملك قوت يومنا”.
أما رئيسة العفيفي (70 عامًا)، وهي موظفة متقاعدة، فتقول: “منذ أدائي فريضة الحج قبل 15 عاما وأنا أضحي بخروف كل عيد، أوزعه على الفقراء. لم أكن أتصور أنني سأصبح يوما بحاجة للصدقة. فقدت بيتي، وراتبي التقاعدي لا يكفيني للطعام أو الدواء، والأسعار مرتفعة جدا، ولا يوجد شيء في الأسواق”.
وتُضيف: “كنا نعيش قبل الحرب بظروف صعبة، نعم، لكننا كنا نجد قوتنا ونضحك، أما الآن فصرنا نعيش جحيما حقيقيا. الجوع، المرض، النزوح، والقصف المستمر… من كان يذبح الأضحية صار هو الضحية، على مرأى من العالم، ولا أحد يتحرك”.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال الإسرائيلي إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير التهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

(انتهى)

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى