مكة المكرمة (يونا) – نادى كبار العلماء والمفتين من مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية , إلى تجاوز مآسي المعترك الطائفي , بنزعته المنتحلة على هدي الإسلام، وذلك في “وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” , الصادرة في ختام أعمال المؤتمر الدولي: “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” , الذي نظَّمته رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة, برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله – , على مدى يومي 7 – 8 من شهر رمضان الحالي 1445هـ، بمشاركة واسعة من ممثلي المذاهب والطوائف الإسلامية من مختلف أنحاء العالم.
وتأتي الوثيقة امتداداً لمضامين “وثيقة مكة المكرمة” التي أمضاها مفتو الأمَّة وعلماؤها في الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1440هـ، الموافق للتاسع والعشرين من شهر مايو لعام 2019م، كما تأتي لتعكس تعبير العلماء المشاركين في مؤتمر “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” عن اعتزازهم بدينهم شِرْعةً ومنهاجاً، وإيمانهم بالله تعالى ربّاً ومعبوداً، وبمحمّدٍ ﷺ نبيّاً خاتماً ورسولاً، مُمتثلِين قولَه جلَّ وعلا: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.
وتؤكد “وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” إدراكَ علماءِ الأمَّةِ وممثلي مذاهبها وطوائفها لواجب الوقت في التذكير بمفهوم الأمّة الواحدة، وأنهم اليوم أحوجُ ما يكونون إلى رصِّ صُفوفهم، وانسجام أمرهم على مشتركاتهم الجامعة التي تلُمُّ شَعَثهم، وتُوَحِّدُ شتاتَهُم، وتؤلِّفُ قلوبَهم، وتَجْمَعُ اختلافَ مذاهبهم وطوائفهم حول أصول الإسلام وكُلياته، وثوابت أحكامه وتشريعاته، التي بها يَنتظمُ كيانُهم، وتُصان حقوقهم، وتُحفظ كرامتهم؛ لتتجاوز الأمّة براسخ وعْيها، وعُلُوِّ همّتها ما يفرِّق جَمْعها، ويُذهب رِيحَها؛ سمعاً وطاعةً لأمْر ربّها جل وعلا: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾.
وشدَّد المؤتمرون في إعلانهم للوثيقة على أنَّه في ظل التداعيات المؤسفة التي تشكو منها أمتهم الواحدة، فإنَّ الملاذ – بعون الله- في تحقيق أخوّتهم الإسلامية، هو الوعيُّ التام بأدب الاختلاف وحُسن الوصال، مع الحذر والتصدي لمخاطر التصنيف والإقصاء، وسلبيات التجريح والإسقاط، ورفْض مجازفات التضليل والتكفير، وما أفضت إليه من شَتاتٍ وفُرقةٍ وعداواتٍ وفسادٍ كبير.
ونادى المؤتمرون في إعلان الوثيقة إلى تجاوز مآسي المعترك الطائفي بنزعته المنتحلة على هدي الإسلام، وما صارت إليه من سُبُل ضلالٍ تلقَّفها كل مغلوبٍ على رُشدِهِ لم يتبين سُنَّة الله في خلقه: “اختلافاً وتنوعاً وتعدداً”، وما يلزم لذلك من تدابير الحكمة وأدب الإسلام، فضلاً عن استصحاب سعة الشريعة ورحابتها، وأُخُوَّة الدين ومودتِهِ، واستطلاع المآلات والمخاطر، وفي طليعتها ما يمس معقد العز المشترك وهو الإسلام، والهدف المشترك المتمثل في رعايةِ سُمْعَتِهِ وحِرَاسةِ جنَابِهِ، مع استحضار العلم بما توالَدَ عن ذلكم التجاوز من مواجعَ وفواجع، حجبَت أمّة الإسلام عن دورها الريادي، وشهودها الحضاري.
وعقد المشاركون في المؤتمر , العزمَ على تجاوز سجالاتٍ عقيمةٍ تردَّت إلى مهاتراتٍ لم تزد أمَّتنا الواحدة إلا شتاتاً وفُرقة، في مفاهيمَ ضاقَ بها العطن عن تبيُّن عالمية الإسلام واستيعاب ساحته الكبرى، تحدوهم الإرادة القوية على تعزيز مساعي الوَحدة والألفة والتبادل والتعاون في مضامينَ مهمةٍ اشتملت عليها هذه الوثيقةُ المعبّرة عن إجماع تنوعهم المذهبي.
وأكدت الوثيقة أنَّ المسلمين أمّةٌ واحدةٌ، يَعبدون ربّاً واحداً، ويتلُون كتاباً واحداً، ويتّبعون نبياً واحداً، وتجمعُهم – مهما تناءت بهم الديار- قبلةٌ واحدة، وقد شرّفهم الله تعالى باسم الإسلام الجامع في بيانٍ مشرقٍ أوضح من مُحَيَّا النهار، فلا يُستبدل غيرُه به، وقد اختاره الله لنا ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ﴾، فلا محلَّ لأيٍّ من الأسماء والأوصاف الدخيلة، التي تُفَرّق ولا تَجمَع، وتُباعِد ولا تُقرّب، اللهم إلا ما كان موضحاً للمنهج ومحفزاً على العمل الإسلامي، على ألا يكون بديلاً، ولا منافساً لاسم الإسلام الذي سمَّانا اللهُ به، ومن ذلك كثرةُ شيوعِه في السَّاحة الإسلامية على حساب الاسم الجامع، ولا سيما ما تفعله الأحزاب الضالة التي اعتزلت وَحدة الأمة بنَسْجِ أسماءٍ مُحَادَّةٍ تصفُ بها لفيفها الضال.
ونصَّت الوثيقة على أنَّ المسلم هو كلُّ من شهِد لله تعالى وحده بالربوبية والألوهية، ولنبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم بالرسالة وختْم النبوة، واعتصَمَ بحَبل الله المتين، وآمَن بمُحكمات الشريعة وثوابت الدين، وعَمِلَ بها، ولَم يَرتكب أو يعتقد -عن علم وقصد واختيار- مكفّراً يُجمع المسلمون على كُفر فاعله.
وشدَّدت على أنَّ رسالة الإسلام ربانيةٌ في مصدرها، توحيدية في معتقدها، سامية في مقاصدها، إنسانية في قيمها، حكيمة في تشريعاتها، تَحمل الخير للجميع، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، وأنَّ المسلمين مدعُوُّون إلى المزيد من استعادة دورهم الحضاري؛ للإسهام في صناعة مُستقبلٍ أكثرَ وعياً ونفعاً، وأدومَ أمْناً وسِلماً.
وأكدت الوثيقة أنَّ حقائقَ الإسلام مصدرُها الوحي، المتمثّل في القرآن الكريم وما ثبَتَ نقلُه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أجمعَت عليه الأمّة، وأما ما أُثِرَ من اجتهادِ أهل العلم والإيمان فهو محلُّ احترام وإجلال وإفادة، وللتعامل مع تنوعه واختلافه آدابٌ وقواعدُ معلومةٌ.
كما شددت الوثيقة على أنَّ الإسلام رسالة الله الخاتِمة، المنزّلة على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد مهما بلغَ عِلْمُه وصلاحه، أن يزيد في الإسلام شيئاً أو ينقص منه: ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
ونبهت الوثيقة إلى تحقيق مقاصد التشريع في حِفظ الضروريات الخمس؛ فـ(الدين مرتكز الهوية الإسلامية ومحورُها)، و(حرمةُ النفس تعني: الكرامة، والأمن، والحياة)، و(رعايةُ العقل تحفظ توازن المجتمع من الإفراط والتفريط، أو الخروج به عن جادة الحكمة والرَّشَد، أو الانسياقِ في مزالق الخَطَل والسفه)، و(حمايةُ العِرض صيانةٌ لقيم المجتمع، ولا سيما حفظَ حرمة أفراده، وسلامة جماعته)، و(حفظُ المال مشتمل على حراسته من الاعتداء، وصيانته من التعدي والفساد)، وإذْ تعددت الدول الوطنية في الزمن المعاصر فثمة ضرورية سادسة وهي: (حفظ الوطن، وذلك من أي مساس بهويته، أو أمنه، أو مكتسباته، أو عموم مصالحه).
وأوضحت وثيقة “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” أنَّ تكوينَ شخصيةِ الاعتدالِ مسؤوليةُ العلماء الربانيين والفقهاء الراسخين في أفرادهم ومنظومة مؤسساته، ولا سيما مَنْ تضطلع بإيضاح حقائق الإسلام وإبراز محاسنِهِ في فِطرتِهِ ومكارمِهِ وسماحتِهِ، وكذا تصحيحُ المفاهيم المغلوطة حوله.
وأكدت أنَّ تعدُّد المذاهب والرؤى بين المسلمين يُحْسَب في جملة السنن الكونية القَدَريَّة التي قضت بحتمية الاختلاف والتنوع لحكمةٍ أرادها الخالق جل وعلا، وهو – في مجمله- يعودُ إلى عواملَ منهجيةٍ، تتعلق بأُسُس منطلقات المدارس الإسلامية، وإلى متغيراتٍ تتصل بظروف مكانية وزمانية وعرفية، ولا بد من استيعاب تلك السُّنة والتعامل معها بوعي وحكمة، وفي طليعة ذلك الحذرُ من أسباب الفرقة والشتات؛ فإنّ ما يَجمع أتباع المذاهب الإسلامية أكبرُ مما يفرّقهم، ولا سيما الشهادتين والعمل بمقتضاهما، وإن ما يوحّدهم من مستحقات الأخوة الإسلامية أعظمُ ممّا تتعدد فيه رؤاهم، وعلى المسلم في جميع الأحوال البحثُ عن جادة الصواب واتباعِها.
وأشارت الوثيقة إلى أنَّ المذاهب الإسلامية تشكّلَت داخل المجتمع المسلم نتيجة منطلق منهجي، وحراكٍ علمي، مستندٍ – في اتفاقه واختلافه- على احترام الأصول والثوابت، والواجبُ إبقاء المذاهب ضمن وقائعِ نشأتها على قاعدة الإسلام وهديه الكريم في سياق رسوخ مدارسها، واتصال عطائها، دون تعطيل لأدوارها الإيجابية، ولا تحريفٍ لصحيح مسارها، أو سوء ظن بأصحابها، أو نفخ في اختلافها.
ونصَّت على أنَّ الوحدةَ الدينية والثقافية للمسلمين واجبٌ ديني متأصل في وجدان الشعوب المسلمة، ومشروعُ تحقيقها هو ميدان التنافس بين المكونات المسلمة، ويستوجب تعزيز المشترك الإسلامي الذي يؤسس لتلك الوحدة في عنوانها العريض وقضاياها الكبرى.
وشدَّدت الوثيقة على أنَّ المسلمين بمُختلف مكوناتهم شركاءُ في صناعة حضارتهم الرائدة، ومواجهةِ تحدياتهم الحاضرة، متطلّعين معاً إلى مستقبل واعدٍ مفعَمٍ برُوح الأخوة والتآلف، تَقضي فيه المشتركات الجامعة على أسباب الفُرقة والنزاع، وتَسمُو فيه قيمهم العالية لتحقيق التفاهم والتعايش والتعاون.
وجاء في نص الوثيقة أنَّ أحداث التاريخ ووقائعه دروسٌ وعِبرٌ تُلهم الأجيال المتلاحقة، فيستنسخون مفيدَ التجارب، ويجتنبون أخطاءها، ولا يُقبل – شرعاً ولا مَنطقاً- استدعاءُ وقائعَ مضت، وسجالات خلت، أو اختلافات هي في صميم التعددية المذهبية، للنيل من وَحْدة الأمة وأُخُوّتها وتعاونها.
وأشارت الوثيقة إلى أنَّ المشتركاتِ الإسلاميَّةُ مبادئُ راسخةٌ تَجمع في رحابها الواسعة تنوّع الأُمّة، وتتجلَّى بها مقومات الوَحْدَة، ومشاعرُ الأُلْفة والمسؤولية المشتركة، لتزرع بوعيها الداخلي مناعة ذاتية تواجه بها مخاطر التعصبات المذهبية والنعَرات الطائفية.
وأكدت أنَّ انتظامَ ملتقيات الحوار الفاعل والمثمر بين المذاهب الإسلامية لتعزيز رابطتهم الأخوية، ضرورةٌ مُلِحَّة يجب الاضطلاع بمسؤوليتها، ونجاحُ هذا الطموح منوطٌ بحُسن النية، وصِدق الإرادة، مع الشروع ابتداء في رصد العوائق والتحديات ومعالجِتها.
ونبهت الوثيقة إلى أنَّ الشعاراتِ الطائفيةِ والحزبية بممارساتها المُثيرة للصدام والصراع المذهبي في طليعة نكبات الأمة، في امتدادٍ تاريخيٍّ مؤلمٍ شَهِدَ – بين مد وجزر- إشعالَ فتيلِ الغُلُوّ الطائفي وإثارة الفتن، وما نتج عن ذلك من مآس تعددت مصائبها، وانتهت إلى أحقاد وضغائن، فكان التناحرُ والتدابر، وممارساتُ التهميش البغيض لمكوناتٍ تربطها أخوة الدين ومقاصد الإسلام الكبرى.
كما نصت على أنَّ الحُكم بالإسلام مستحق يقيناً لكل من نطَقَ بالشهادتين وعمل بمقتضاهما معتقداً بأصول الإسلام، ولا يجوز الاجتراء على تكفيره إلا بدليل يقيني مكافئ لِمَا ثبَت به إسلامه، لا يختلف عليه أهل العلم والإيمان.
ولفتت الوثيقة الانتباه إلى أنَّ التكفيرَ والتبديعَ والتضليلَ أحكامٌ شرعية لا تُقتحم إلا بالبينات القاطعة، وإلا كانت التبعات والمهالك؛ لذا لا يجوز لعوام المسلمين، أو طلاب العلم إطلاقُها على مخالفيهم “أفراداً أو مؤسساتٍ أو مدارسَ أو نحوَها”، ويناط ذلك فقط بالعمل المؤسسي المجمعي المشهودِ له بالرسوخ العلمي والإنصاف والاعتدال، مشفوعاً بأدلته الشرعية التي لا يختلف عليها أهل العلم والإيمان.
وأكدت الوثيقة أنَّ التعاونَ بين المجتمعات الإسلامية بمختلف تنوعها، ركنٌ مهمٌ في تحقيق التكامل المنشود، وكسب المزيد من القوة الحضورية للأمّة المسلمة، ويكون ذلك داخل المجتمعات الوطنية، وبينها وبين غيرها من المجتمعات الإسلامية في إطار منظوماتهم الوطنية.
وأبرزت الوثيقة أنَّ المسلمين مُجمِعون على دعْم القضايا العادلة على المستويين الإسلاميّ والدوليّ، ويباركون صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة جرائم الإبادة الجماعية، ويَدْعمون حقَّهُ في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القُدس الشرقية، مع المحافظة على الهُوية التاريخية والإسلامية لمدينة القدس.
وشدَّدت على أنَّ الهوية الإسلامية تمثل اعتقاد كل مسلم، ممَّا يتعين معه حمايةُ مكوناتها في الدول غير الإسلامية، ولا سيما السعيُ بالسبل السِّلميّة للاعتراف بحُقُوقها التي تضمنها الدساتير المتحضرة.
وحثَّت الوثيقة حَمَلَةَ الشريعة من أهل العلم والإيمان على تبصير المكونات المسلمة في الدول غير الإسلامية بأهمية تعايشها الأمثل في دولها الوطنية، والحذر من نزعات الغلو والتطرف، وأيِّ تصرُّف يخرجُ عن أدب الإسلام وحكمته، وتأليفه للقلوب، وموازنتِهِ بين المَصَالح والمَفَاسد، وكذا الحذر مِنْ تلقُّف فتاوىً أو مواعظَ أو إرشاداتٍ لا تراعي ظرفيتهم المكانية التي قضت قواعد الشريعة بمراعاتها.
كما نصَّت على أنَّ الأسرة هي نواة المجتمع، وأهم محاضن التربية والتهذيب، تَحمي النشء من مزالق السُّبُل، وتؤسِّسُ لغَرْس قيم الإسلام، ومن ذلك تعزيزُ الأخوة بين التنوع الإسلامي، والإرشادُ إلى قيم تفاهمه وتآلفه وتعاونه.
وأشارت الوثيقة إلى أنَّ كفاءةَ التعليم تعزز أسس البناء الأسري، وتسهم بدور كبير في صياغة عقول النشء وتهذيبهم التربوي، وتأخذ بهم نحو مستقبل مشرق بعون الله، ولا سيما كفاءةُ المعلم وسلامة المنهج الدراسي، على أن يكون الجميع مشمولين بذلك الاهتمام في كافة مراحل التعليم من بنين وبنات، كلُ ذلك على هدي الإسلام وقيمه الرفيعة التي حثت المسلمين كافة على التعلُّم ولم تستثنِ جنساً دون جنس، أو تُقَيِّد هذا المطلب الشرعي بنوع من التعليم دون غيره، أو بمراحل مُعَيّنة دون سواها.
وشدَّدت الوثيقة على أنَّ للمرأة في إطارها الشرعي إسهاماً ملموساً في تحقيق التطلعات لخيرية الأمة، التي تتغياها هذه الوثيقة، ويتجلى ذلك في العناية بتأسيس المحضن الأول للنشء، وهو الأسرة المتعلمة الواعية وفق المفهوم الشامل لتمكين الأسرة؛ لكونها نواة المجتمع، وأهم محاضن التربية والتهذيب.
وأكدت الوثيقة أنَّ الخطاب الإسلامي الإعلامي يهدف إلى تعزيز الأخوة والتعاون بين التنوع الإسلامي، ونشر الوعي بذلك وتصحيح المفاهيم المغلوطة في الداخل الإسلامي، مع التصدي للحملات والمفاهيم المسيئة للإسلام أياً كان مصدرها ومكانها، مع حث المسلمين “وبخاصةٍ المكونات المسلمة في الدول غير الإسلامية” على أن يمثلوا حقيقة دينهم، وأن يتحملوا مسؤولياتهم الجسيمة في تقديم صورة صحيحة تعرف بدينهم القويم.
وحذَّرت من أنَّ التوظيفَ السلبيَّ لوسائل الإعلام التقليدية والجديدة يُصعِّد الخلافاتِ ويثير العداواتِ في الداخل الإسلامي، منبهة إلى أنه حريٌ بالرسالة الإعلامية أنْ تعتمدَ الكلمة الطيبة، والحوار الهادف الذي يُؤلف ويقَرِّبُ، وَفْق قيم الأُخُوّة الإسلامية، وتبادل النصح الصادق دون مزايدة، ولا استعلاء، ولا تعنيف، ولا تشهير.
ودعت الوثيقة إلى التحذير من الفتن، وتفادي أسبابها، والتصدي للمحرّضين عليها والمروِّجين لها، والتنديد بإثارتها بين أبناء الوطن الواحد، وفي المجتمع الإسلامي بعامَّة من خلال العبارات والشعارات والممارسات الطائفية التي تَستهدف النيل من الأخوّة الإسلامية المنصوص عليها في قول الله تعالى: ﴿إنما المؤمنونَ إِخْوَةٌ﴾، وقولِ سيدنا ونبينا الكريم صلى الله عليه وسلَّم: «وكونوا عِبَاد الله إخواناً».
كما أكدت أنَّ التنابُز بين المسلمين، وتهييج مشاعرهم المذهبية، والنيل من رموزهم، وازدراء اجتهاداتهم لا يُصيب غَرَضاً، ولا يَنْكأُ عَدُواً، وإنما هو من الاسم الفسوق العائد عليهم بالسوء في أفرادهم ومذاهبهم وسمعة دينهم، واحتقان نفوسهم، وهو غالب ما يلتقطه غيرُهم عليهم وينسبِهُ – جهلاً أو عمداً- إلى طبيعة دينهم.
وطالبت الوثيقة بإقامة مؤتمرٍ سنوي يُجَدِّدُ رؤية هذا اللقاء ورسالته وأهدافه وقيمه، معززاً العمل بمضامين هذه الوثيقة، وحاملاً تراتيب عقده ليكون في العام التالي بعنوان: “المؤتمر الثاني لبناء الجسور بين المذاهب الإسلامية”، مناقشاً مستجدات الساحة الإسلامية.
كما طالبت بتشكيل لجنة تنسيقية مشتركة باسم: “اللجنة التنسيقية بين المذاهب الإسلامية”، تقترح الأمانةُ العامة لرابطة العالم الإسلامي نظامَها ورئاستها وأعضاءها وأمانتها، بالتشاور مع كبار الشخصيات الإسلامية من مختلف المذاهب، ليتم إقرار ذلك خلال المؤتمر التالي المنوه عنه.
وتعهَّد حضور مؤتمر “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” من علماء ومفتين بالوفاء بمضامين هذه الوثيقة، والعمل على ترسيخها في مجامعهم العلمية، ومجتمعاتهم الوطنية، بما لا يُخلّ بالأنظمة المرعية والقوانين الدولية، وأنهم سيَدْعُون كافة الجهات العلمية والشخصيات المجتمعية والمؤسسات الوطنية إلى تأييدها ودعمها.
وتقدَّم المؤتمرون بالشكر الخالص لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحبِ السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد ، رئيس مجلس الوزراء – حفظهما الله- , على ما تَبذله المملكة العربية السعودية من جهود جليلة في توحيد كلمة الأمّة الإسلامية، وتعزيز تضامنها، انطلاقاً من دورها الإسلامي الريادي وشرف احتضانها لمهد الإسلام ونفحات التنزيل الحكيم وقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم وخدمة الحرمين الشريفين ورعاية قاصديهما، كما قدموا الشكر لخادم الحرمين الشريفين – أيده الله- على رعايته الكريمة لمؤتمر”بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية”، سائلين اللّه تعالى أن يوفّق الجميع لما يُحبّه ويرضاه.
(انتهى)